درج الفلسطينيون على الإعلان في كل مرة، بأنهم يواجهون أخطر المراحل على القضية، لكنهم يكتشفون في كل مرة أيضا، أن ثمة ما هو أشد خطرا في قادم الأيام والسنين. مع نهاية كل عام، وبداية آخر، يطلق الفلسطينيون دعواتهم، وآمالهم، بأن يكون العام القادم أفضل من المنصرم، لكن العاقلين منهم غادروا هذا التقليد مع نهاية العام 2018، الذي كان من أسوأ الأعوام، وأخذوا يحذرون من أن لا يكون القادم أسوأ من العام الراحل.
مؤشرات نهاية العام 2018، حملت للفلسطينيين، ما يدعو للاعتقاد بأن عام 2019، ينطوي على خطر شديد سواء في إطار الحقوق الوطنية، أو في إطار العلاقات الداخلية. العام الحالي، هو العام الثالث من ولاية الرئيس دونالد ترامب، الذي يقدم لإسرائيل فرصة تاريخية لتحقيق أهدافها التوسعية العنصرية على حساب الأرض والحقوق الفلسطينية حتى لو كانت في حدها الأدنى.
معروف أن العام الرابع من ولاية أي رئيس أمريكي يكون عام التحضير للانتخابات التي ستجري في نهايته، ولذلك فإن إسرائيل ستركز جهودها لكي يكون هذا العام هو عام الحسم.
طبعا لا تكتفي إسرائيل بما قدمته الولايات المتحدة حتى الآن، فيما يتعلق بالقدس واللاجئين، وممارسة الضغط الشديد على الفلسطينيين بما في ذلك إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
في المخطط الإسرائيلي ينبض فصل قطاع غزة، والتغول على أرض الضفة، وترك الباقي لما يشبه روابط القرى، مع سيطرة أمنية كاملة. وفي مشهد متكرر، توظف إسرائيل انشغالها بالانتخابات المبكرة، لقطع الطريق أمام أي مبادرات سياسية حتى لو جاءت من خلال الإدارة الأمريكية يمكن أن تطالبها بتعديل مخططاتها التوسعية.
ومع أن الفلسطينيين لا ينتظرون ولا يتوقعون أن تأتي صفقة القرن بما يحقق بعض تطلعاتهم، إلا أن السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان أعلن أنه سيتم تأجيل الإعلان عن صفقة القرن لبضعة أشهر، وأن الانتخابات الإسرائيلية كانت واحدة من الأسباب التي تقف وراء ذلك. تخشى إسرائيل من أن تتضمن صفقة القرن ما يغضبها، بعد كل الغضب الذي أصاب الفلسطينيين، فلقد قال نفتالي بينت زعيم إسرائيل بيتنا أن الصفقة تتضمن دولة فلسطينية، وأن إسرائيل ستقاوم ذلك.
إذا كان هذا ما تتوقعه الأرصاد السياسية الفلسطينية وغير الفلسطينية فإن العلاقات الداخلية، تنطوي على مؤشرات تدهور، وتراجع، وربما تصعيد حالة التوتر، والأفعال وردود الأفعال من قبل الحركتين الكبيرتين المتصارعتين فتح وحماس. قبل نهاية العام المنصرم، أدى قرار المحكمة الدستورية العليا، القاضي بحل المجلس التشريعي، وإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، إلى ردود فعل غاضبة من قبل حماس وعديد الفصائل بما في ذلك فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية وبعضها أعلن مسبقا عن عزمه على عدم المشاركة في الانتخابات.
هذا القرار أدى إلى رفع منسوب التوتر، والاشتباك السياسي والإعلامي، خاصة بعد أن أعلن بعض قيادي فتح، إن المصالحة وصلت إلى طريق مسدود، وفي هذا المناخ المتوتر، جاءت الأحداث التي رافقت الذكرى الرابعة والخمسون لانطلاقة حركة فتح والثورة الفلسطينية. وفي هذا المناخ التصعيدي، انطلقت الاتهامات والاتهامات المتبادلة من العيار الثقيل، رافقها حملات اعتقال واستدعاءات، ثم لحق بها قرار سحب موظفي السلطة الوطنية من معبر فتح، الأمر الذي ينطوي على مخاوف من قبل المواطنين بأن يعود المعبر لظاهرة الإغلاق وتقنين فتحه.
إذا كانت المصالحة متعطلة، فإن الأمور تتجه نحو خيارات صعبة وخطيرة في الحقل الداخلي الفلسطيني، حيث من المتوقع أن اشتداد حالة الصراع، والإجراءات والإجراءات المقابلة، بما يسهل على إسرائيل تنفيذ مخططاتها. ما زال الفلسطينيون في بداية العام، وبدايته لا تبشر بخير، في ظل تفاقم حالة الاحتقان والشعور بفقدان الأمل.